خديجة بنت خويلد:
خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي القرشية الأسدية (68 ق.هـ-3 ق.هـ) أم المؤمنين زوج الرسول محمد بن عبد الله نبي الإسلام.
نسبها و نشأتها:
خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزي بن عبد العزيز بن قصي بن كلاب بن مرة ابن كعب ابن غالب بن فهر ،وأمها فاطمة بنت زائدة بن الأصم وينتهي نسبها إلى غالب بن فهر.
ولدت سنة 68 قبل الهجرة (556 م) في مكة, تربت في بيت مجد و رياسة , ونشأت على الأخلاق الحميده, و كانت تسمي في الجاهلية بالطاهرة , وقد مات والدها يوم حرب الفجّار.
تجارتها:
كانت خديجة ترسل الرجال في تجارتها إلى الشام واليمن، وكانت دائمَة التدقيق والتمحيص فيمن تختاره حتى تضمن سلامة أموالها وعظيم ربحها، فلما بلغها عن محمد ما بلغها من صدق حديثه وعظم أمانته وكرم أخلاقه، تذكرت عندما كانت تجلس مع نساء أهل مكة يوم اجتمعن في عيد لهنَّ في الجاهلية، فتمثل لهن رجل فلما قرب نادى بأعلى صوته: يا نساء تيماء إنه سيكون في بلدكن نبي يقال له أحمد يبعث برسالة الله فأيما امرأة استطاعت أن تكون زوجًا له فلتفعل، فحصبته النساء وقبحنه وأغلظن له وأغضت خديجة على قوله ولم تعرض له فيما عرض له النساء، فبعثت إليه فعرضت عليه أن يخرج في مالها تاجرًا إلى الشام، وقيل بل إن أبا طالب بن عبد المطلب عم الرسول هو من أشار إليه بالعمل في تجارة خديجة وقال له: «أنا رجل لا مال لي، وقد اشتد الزمان علينا، وهذه عير قومك قد حضر خروجها إلى الشام، وخديجة بنت خويلد تبعث رجالا من قومك في عيراتها، فلو جئتها فعرضت نفسك عليها لأسرعت إليك». وبلغ خديجة ما كان من محاورة الرسول وعمه، فأرسلت إليه في ذلك، وقالت: أنا أعطيك ضعف ما أعطي رجلا من قومك، فقال أبو طالب: هذا رزق قد ساقه الله إليك، فخرج مع غلام خديجة ميسرة، وأوصته أن يقوم على خدمته وألا يخالف له أمرًا وأن يرصد لها أحواله، وجعل عمومة الرسول يوصون به أهل العير، فلما قدما بصرى من الشام، نزلا في ظل شجرة، فقال نسطور الراهب: ما نزل تحت هذه الشجرة قط إلا نبي، ثم قال لميسرة: أفي عينيه حمرة قال ميسرة: نعم لا تفارقه، قال: هو نبي، وهو آخر الأنبياء، ثم باع سلعته، فوقع بينه وبين رجل تلاح، فقال رجل احلف باللات والعزى، فقال الرسول: ما أحلف بهما قط وإني لامرؤ، فأعرض عنهما، فقال الرجل: القول قولك، ثم قال لميسرة: هذا والله نبي تجده أحبارنا منعوتًا في كتبهم، وكان ميسرة إذا كانت الهاجرة واشتد الحر يرى ملكين يظلان الرسول من الشمس، فوعى ذلك كله ميسرة، وكان الله قد ألقى عليه المحبة من ميسرة، فكان كأنه عبد له، وباعوا تجارتهم وربحوا ضعف ما كانوا يربحون، فلما رجعوا كانوا بمر الظهران وقال ميسرة: يا محمد انطلق إلى خديجة، فأخبرها بما صنع الله لها على وجهك فإنها تعرف لك ذلك، فتقدم محمد حتى دخل مكة في ساعة الظهيرة، وخديجة في عليةٍ لها فرأته وهو على بعيره، ودخل عليها فأخبرها بما ربحوا في تجارتهم، فسرت بذلك، فلما دخل عليها ميسرة أخبرها بما قال الراهب نسطور، وبما قال الآخر الذي خالفه في البيع، وكانت قد ربحت ضعف ما كانت تربح، وأضعفت لمحمد ضعف ما سمت له.
زواجها من سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم:
رجعت قافلة التجارة من الشام وقد ربحت أضعاف ما كانت تربح من قبل، وأخبر الغلام " ميسرة " السيدة خديجة رضي الله عنها عن أخلاق رسول الله وصدقه وأمانته، فأعجبها وحكت لصديقتها " نفيسة بن مُنية "، فطمئنتها "نفيسة" واعتزمت أن تخبر صلى الله عليه وسلم برغبة السيدة خديجة من الزواج منه.
لم تمض إلا فترة قصيرة حتى تلقى رسول الله دعوة السيدة "خديجة" للزواج منه فسارع إليها ملبياً وفي صحبته عماه أبو طالب بن عبد المطلب وحمزة بن عبد المطلب، ابنا عبد المطلب. وقد أثنى عليه عمها " عمرو بن أسد بن عبد العزى بن قصىّ " وتزوج سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم من السيدة خديجة رضي الله عنها.
كان عـُمر سيدنا محمد
حينذاك 25 عاماً، والسيدة خديجة 40 عاماً، فكانت بمثابة الأم الحنون والزوجة المخلصة.

إسلامها:
كان قد مضى على زواجها من رسول الله صلى الله عليه وسلم 15 عاماً، وقد بلغ سيدنا محمد الأربعين من العمر , وكان قد اعتاد على الخلوة في "غار حراء" ليتأمل و يتدبر في الكون و نواميسة و إسراره، وفي القوة العظمى التي تدير هذا الكون بكل هذه الدقة و الأحكام.
وفي ليلة القدر، عندما نزل الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم واصطفاه الله تعالى ليكون خاتم الأنبياء و المرسلين , انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى منزله خائفاً يرتجف, حتى بلغ حجرة زوجته خديجة فقال: " زملوني " ، فزملوه حتى ذهب عنه الروع، فقال : " مالي يا خديجة؟ وحدثها بصوت مرتجف، وحكى لها ما حدث. وقال صلى الله عليه وسلم " لقد خشيت على نفسي ".
ضمته إلى صدرها وهتفت في ثقة ويقين :
" الله يرعانا يا أبا القاسم، ابشر يا ابن عم واثبت، فوالذي نفس خديجة بيده، إني لأرجوا أن تكون نبي هذه الأمة، والله، لا يخزيك الله أبداً. إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكَلّ، وتقرى الضيف، وتعين على نوائب الحق."
فكانت أول من آمن برسالته وصدّقه. فكانت بهذا أول من أسلم من المسلمين جميعا وأول من أسلم من النساء، وأيضا هي أم المؤمنين الأولى.
أحس الرسول بالراحة والطمأنينة وهى تقوده في رفق إلى فراشه، واستغرق في نوم هادئ.
ذهبت السيدة خديجة مسرعة إلى ابن عمها " ورقة بن نوفل " وعندما سمع منها ما حدث لزوجها، رسول الله صلى الله عليه وسلم، انتفض يقول في حماس : " قدوس قدوس، والذي نفس ورقة بيده , لئن كنت صدقتني يا خديجة، لقد جاءه الناموس الأكبر الذي كان يأتي موسى وعيسى، وإنه لنبي هذه الأمة، فقولي له فليثبت " .
لم تنتنظر السيدة خديجة أن يكمل "ورقة" كلامه، وأسرعت إلى زوجها الحبيب تزف له البشرى.
أول مؤمنة بالإسلام:
واكبت خديجة نزول الوحي قرآنًا وتكليفًا، فحين عَلَّم جبريل النبي الوضوء والصلاة قبل فرضها خمس صلوات، صلت مع النبي في نفس يوم تعليم جبريل له، وقد رُوي «أن جبريل ظهر للنبي أول ما أوحي إليه في أحسن صورة وأطيب رائحة وهو بأعلى مكة فقال: يامحمد، إن الله يُقرئك السلام، ويقول لك: أنت رسولي إلى الجن والإنس فادعهم إلى قول لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، ثم ضرب الأرض برجله فانبعثت عين ماء، فتوضأ منها جبريل عليه السلام ورسول الله ينظر إليه، ليريه كيفية الطهور للصلاة، ثم أمره أن يتوضأ كما رآه يتوضأ، ثم قام جبريل يصلي مستقبلًا الكعبة، ثم أمره أن يصلي معه فصلى ركعتين، ثم عُرج به إلى السماء ورجع قالب:صلى إلى أهله، فكان لا يمر بحجر إلا قال: السلام عليك يارسول الله، فسار حتى أتى خديجة فأخبرها، فغشي عليها من الفرح، ثم أخذ بيدها حتى أتى بها زمزم، فتوضأ حتى يريها الوضوء، ثم أمرها فتوضأت، وصلى بها كما صلى به جبريل عليه السلام».
وبهذا كانت خديجة أول من آمن، وأول من ثبت، وأول من توضأ وأول من صلى، قال شهاب الدين القسطلاني «كان أول من آمن بالله وصدق صديقة النساء خديجة، فقامت بأعباء الصديقية، قال لها عليه السلام: خشيت على نفسي، فقالت له: أبشر فوالله لا يخزيك الله أبدًا، ثم استدلت بما فيه من الصفات والأخلاق والشيم على أن من كان كذلك لا يخزى أبدًا»، وعن الزهري قال: «كانت خديجة أول من آمنت بالرسول من النساء والرجال»، وعن أبي رافع قال: «نُبيء رسول الله يوم الإثنين، وصلت خديجة آخر يوم الإثنين»، وقال ابن إسحاق: «كانت خديجة بنت خويلد أول من آمن بالله ورسوله وصدق بمحمد فيما جاء به، ووازرته في أمرة»، واتفق العلماء على أن خديجة أول من آمنت، قال ابن عبد البر:«هي أول من آمن بالله عز وجل وبرسوله، وهذا قول قتادة والزهري وعبد الله بن محمد بن عقيل وابن إسحاق وجماعة، قالوا: خديجة أول من آمن بالله عز وجل من الرجال والنساء، ولم يستثنوا أحدًا».
رَوى أحمد بن حنبل في مسنده عن إسماعيل بن إياس بن عفيف الكندي عن أبيه عن جده قال: «كنت امرأً تاجرًا، فقدمت الحج، فأتيت العباس بن عبد المطلب لأبتاع منه بعض التجارة، وكان امرأً تاجرًا، فوالله إنني لعنده بمنى إذ خرج رجل من خباء قريب منه، فنظر إلى الشمس، فلما رآها مالت يعني قام يصلي، قال: ثم خرجت امرأة من ذلك الخباء الذي خرج منه ذلك الرجل، فقامت خلفه تصلي، ثم خرج غلام حين راهق الحلم من ذلك الخباء، فقام معه يصلي، قال: فقلت للعباس: من هذا يا عباس، قال: هذا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ابن أخي، قال: فقلت: من هذه المرأة ، قال: هذه امرأته خديجة ابنة خويلد، قال قلت: من هذا الفتى، قال: هذا علي بن أبي طالب ابن عمه، قال فقلت: فما هذا الذي يصنع، قال: يصلي، وهو يزعم أنه نبي، ولم يتبعه على أمره إلا امرأته وابن عمه هذا الفتى، وهو يزعم أنه سيفتح عليه كنوز كسرى وقيصر، قال: فكان عفيف وهو ابن عم الأشعث بن قيس يقول: وأسلم بعد ذلك فحسن إسلامه، لو كان الله رزقني الإسلام يومئذ، فأكون ثالثا مع علي بن أبي طالب».
وفاتها:
توفيت السيدة " خديجة " أم المؤمنين الأولى ووزير رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة بثلاث أعوام، وكان عمرها 65 عاماً.
توفيت بين يدي الزوج الذي تفانت في حبه منذ لقيته، والنبي الذي صدقته وآمنت برسالته من فجر ليلة القدر، وجاهدت معه حتى الرمق الأخير من حياتها، وكانت له سكناً وملاذاً، إلى أن رجعت نفسها المطمئنة إلى ربها راضية مرضية.
وأنزلها رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه في حفرتها وأدخلها القبر بيده، ودفنها بالحجون.
المعرفة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق