آدم عليه السلام:
هو أول نبي من أنبياء الله تعالى، وأبو البشر، خلقه الله - تعالى - بيديه، وعلّمه الأسماء كلها، ثم أمر الملائكة بالسجود له، وبعدها عاش آدم - عليه السلام - في الجنة، وخلق الله - تعالى - له زوجته حواء، وأباح لهما كل ثمار الجنة ونعيمها إلا شجرة واحدة، فوسوس لهما الشيطان فأكلا منها، فأنزلهما الله - تعالى - إلى الأرض وأمرهما بعبادته وحده لا شريك له ودعوة البشر إلى ذلك.
قصة آدم عليه السلام:
ورد ذكر قصة آدم - عليه السلام - في العديد من سور القرآن الكريم، حيث ذُكرت في سبعة مواضع في سورة البقرة، والأعراف، والحجر، والإسراء، والكهف، وطه، وص، وقد وردت أحداث القصة بدرجات متفاوتة من القِصر، والطول، والإيجاز، والإسهاب، والتفصيل، والاختصار، ولكن عند تجميع الأحداث تتشكل قصة مترابطة لا انقطاع فيها ولا اختلال، حيث تبدأ القصة بالحديث عن إرهاصات خلق الكائن الجديد وهو آدم عليه السلام، وبيان نوع المادة التي سيُخلق منها، ثم الاحتفاء به وأمر الملائكة بالسجود له، وبيان سجود الملائكة -عليهم السلام- له ورفض إبليس للأمر الإلهي، وتستمر الأحداث بالتسلسل إلى أن تنتهي بخروج آدم من الجنة وهبوطه إلى الأرض، وفيما يأتي تفصيل لقصة آدم عليه السلام.
خلق آدم عليه السلام:
سبق خلق آدم - عليه السلام - إخبار الله - تعالى - ملائكته - عليهم السلام - بأنه سيخلق بشراً، وأنّ هذا المخلوق الجديد سيسكن الأرض، ويكون على رأس ذرية يخلف بعضهم بعضاً، فتساءلت الملائكة عن الحكمة من خلق آدم عليه السلام، فبيّن الله -تعالى- في القرآن الكريم استفسار الملائكة، حيث قال: (إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ)، والظاهر من توقع الملائكة بأنّ ذرية آدم ستسفك الدماء وتُفسد في الأرض؛ لأنّ لديهم من الإلهام والبصيرة ما يكشف لهم شيئاً من فطرة المخلوق، أو أنّ لهم تجربة سابقة في الأرض، بالإضافة إلى أنّ فطرة الملائكة التي جُبلت على الخير المطلق لا تتصور غايةً للوجود إلا تسبيح الله -تعالى- وتقديسه، وذلك متحقق بوجودهم، وبعد ما أبداه الملائكة عليهم السلام من الحيرة بعد معرفة خبر خلق آدم، جاء الرد من رب العالمين حيث قال: (إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ).
ثم بيّن الله - تعالى - للملائكة أنه سيخلق آدم - عليه السلام - من طين، وأنّه سينفخ فيه من روحه، وأمرهم بالسجود تكريماً له عند خلقه، وبعدها جُمع من تراب الأرض الأحمر، والأصفر، والأبيض، والأسود، ثم مُزج التراب بالماء فأصبح صلصالاً من حمأ مسنون، ثم تعفن الطين وانبعثت منه رائحة، ممّا جعل إبليس يتعجب ويتساءل ماذا سيكون هذا الطين، ثم جاء اليوم المُرتقب حيث سوّى الله - تعالى - آدم بيديه، ثم نفخ فيه من روحه فتمّ بذلك خلقه، ودبّت فيه الروح، وفي تلك اللحظة سجد الملائكة كما أمرهم ربهم - عز وجل - إلا إبليس الذي أعمى الكِبر والغرور بصيرته، فرفض السجود لآدم، فوبّخ الله -تعالى- إبليس، حيث قال له: (قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ۖ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ).
ولم يرتدع إبليس بعِظم الذنب الذي ارتكبه بعصيان أمر الله تعالى، بل أصرّ واستكبر وردّ بمنطق الحسد والكبر قائلاً: (قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ)، في تلك اللحظة صدر أمر الله - تعالى - بلعنة إبليس وطرده من رحمة الله -تعالى- إلى يوم القيامة، حيث قال تعالى: (قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ* وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ)، هناك امتلأ قلب إبليس بالحقد على آدم وذريته، وأصبح همّه الانتقام منه، فطلب من الله - تعالى - تأخيره إلى يوم القيامة، وشاءت حكمة الله - تعالى - إجابته فيما طلب، فأفصح إبليس عن هدفه في الانتقام حيث قال: (فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ* إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ)، ثم أسكن الله -تعالى- آدم -عليه السلام- الجنة وخلق له زوجته حواء.
خروج آدم من الجنة واستخلافه في الأرض:
بعد خلق الله -تعالى- لحواء زوجةً لآدم عليه السلام، وبعد إسكانهما الجنة يتنعّمان فيها بنعيم كثير، أمر الله -تعالى- آدم وزوجته بعدم تناول فاكهة شجرة واحدة في الجنة، والاستمتاع بكلّ ما تبقّى من النعيم، ففي الجنة أصناف لا تُعدّ من الطعام، وشراب لذيذ متى ما عطش آدم -عليه السلام- شرب منه، ولا حرّ فيها ولا شمس، وحذّر الله - تعالى - آدم - عليه السلام - من اتباع وساوس إبليس وأوامره، فقال - تعالى - في مُحكم كتابه الكريم: (فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَٰذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى) فإبليس طُرد من الجنة وبالتأكيد لن يُريد لآدم - عليه السلام - إلا الشرّ، وقد سبق أن توعّد إبليس بإغواء آدم - عليه السلام - وذريته حتى يحشرهم الله يوم القيامة.
وذات يوم وسوس إبليس لآدم - عليه السلام - ليأكل من ثمر هذه الشجرة، وكانت الوسوسة قائمة على إقناع آدم - عليه السلام - بأنّ تناول ثمار هذه الشجرة سيجعله خالداً مع مُلكٍ لا ينفد ولا يبلى، وعلى الرغم من عبادة آدم - عليه السلام - لله تعالى، إلا أنّه ضعف لوسوسة الشيطان آنذاك وامتثل لأمره، فأكل من الشجرة، ومصداق ذلك ما جاء في قول الله تعالى: (فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَىٰ* فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ ۚ وَعَصَىٰ آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ).
ويجدر بالذكر أنّ هذا الأمر قد كتبه الله - تعالى - على آدم - عليه السلام - قبل خلقه، ولكنّ قيامه بذلك كان تخييراً لا تسييراً، وكان الردّ من الله - عزّ وجلّ - أن يُخرج آدم - عليه السلام - وزوجته من الجنة، ويُنزلهما إلى الأرض، حيث الحياة الدنيا، حياة الشقاء والكدح والعمل، يسعى الإنسان فيها ليحصل على الرزق، ويتعب ويشقى ليعيش فيها، وكما هو معلوم فإنّ هذه الحياة حياة النِّزاع مع الشيطان ومحاربة الهوى والشهوات، فالإنسان في الدنيا مُخيّر أن يسير أحد في أحد طريقين؛ إمّا طريق الخير والفلاح وإمّا طريق الشر والخسران.
موضوع
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق