الهم والحزن والكرب والشدة والابتلاءات ...لا تخلو منها هذه الدنيا
يقول الله عز وجل : ( لقد خلقنا الإنسان في كبد ) _ سورة البلد _ أي في مشقة وتعب ونصب وشدة وعناء ، يكابد مصائب الدنيا ، ومشاق الآخرة . كما في تفسير الطبري .
ينتقل الإنسان منذ نعومة أظفاره إلى آخر يوم له في الدنيا من ضيق إلى ضيق ، ومن هم إلى هم ، ومن كرب إلى آخر ..في بدنه ونفسه وأهله وعياله ..تصفو نفسه يوماً وتتعثر عشراً ، ينجو من مرض ثم تأتيه أمراض ، يضحك ساعة ويعبس ساعات . وهكذا ..كما وصفها الشاعر أبو البقاء الرندي رحمه الله تعالى :
لِكُلِّ شَيْءٍ إِذَا مَا تَمَّ نُقْصَانُ | فَلَا يُغَرَّ بِطِيبِ العَيْشِ إنْسَانُ |
هِيَ الأمُورُ كَمَا شَاهَدْتُهَا دُوَلٌ | مَنْ سَرَّهُ زَمَنٌ سَاءتْهُ أزْمَانُ |
ومع أن الدنيا فيها من الملذات والمسرات والمتع الشيء الكثير غير أنها مؤقتة فانية زائلة لا تدوم لأحد كما وصفها الله عز وجل في أكثر من آية ، قال الله عز وجل : ( وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ) الأنعام 32 .
ويقول تعالى: ﴿ اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾ [الحديد: 20].
وقال تعالى: ﴿ إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [يونس: 24].
وقال تعالى: ﴿ وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا * الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا ﴾ [الكهف: 45- 46].
وما أكثر الأحاديث النبوية التي وصف فيها النبي صلى الله عليه وسلم الدنيا ؛ منها قوله عليه الصلاة والسلام : (الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر) رواه الترمذي وابن ماجه وصححه الألباني.
وعن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( حقٌّ على الله أن لا يرتفع شيء من الدنيا إلا وضعه) رواه البخاري.
ولأن الدنيا دارامتحان قصيرة وقليلة وفيها من الابتلاءات الكثيرة؛ أمرنا خالقها بالصبر على بلوائها . والآيات كثيرة في القرآن الكريم التي يحثنا المولى سبحانه وتعالى فيها على الصبر ؛ منها قوله تعالى : (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ، الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ).
فمن أصابته المحن أياً كانت فليكثر من : إنا لله وإنا إليه راجعون ، وليحافظ على أدعية الأنبياء عليهم السلام حينما وقعوا في ابتلاءات متعددة ثم رفعها الله عز وجل عنهم بفضل دعائهم ؛ مثل دعاء أيوب عليه السلام حينما أصيب بعدة محن منها مرضه الشاق والطويل فدعا ربه قائلا: ( وأيّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِي الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ* فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ) ؛ وكدعاء ذي النون يونس عليه السلام : (وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ*فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ) (الأنبياء: 87).
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (دَعْوَةُ ذِي النُّونِ إِذْ دَعَا وَهُوَ فِي بَطْنِ الْحُوتِ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ، إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ، إِنَّهُ لَمْ يَدْعُ بِهَا مُسْلِمٌ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلَّا اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ بِهَا). رواه أحمد في المسند, والحاكم في المستدرك، وغيرهما, وصححه الألباني.
وغيرها من الأدعية النافعة الطيبة المستجابة ؛ وأكثر أيها المهموم من الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ففيها التفريج ، وأكثرمن الاستغفار ففوائده عظيمة . أنزل همك وشكواك بربك ؛ وتضرع إليه في كل نازلة تجده أمامك .
فريد الرشيد الحراكي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق